أخرج ابن سعد في الطبقات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لسلمان: "أمَلِكٌ أنا أم خليفة؟" فقال له سلمان: "إن أنت جبـيت من أرض المسلمين درهما أو أقلَّ أو أكثر، ثم وضعته في غير حقه، فأنت ملك غير خليفة! فاستعبر (بكى) عمر". وأخرج أيضا عن عمر أنه قال: "والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك! فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم! قال قائل: يا أمير المومنين! إنَّ بينهما فرقا. قال: ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقا، ولا يضعه إلا في حق. وأنت بحمد الله كذلك. والملك يعْسِف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا".
لم يكن الصحابة يتخيلون أن الخيانة يمكن أن تتجاوز التعسف في الأموال إلى اللعب بالدين. لذلك أعطوا هذا المعيار الساذج الذي يشتمل في الحقيقة على دراية بموطن الضعف في البشر: حبِّهم للمال. وكان خلفاء النبوة عدولا في الأموال من جملة ما حازوا من فضل. فقد أحيوا الدين روحا وجسما، عدلا واقتصادا، دعوة وجهادا. قال القاضي الماوردي: "إن الخلفاء الراشدين كانوا لا يرون الخلافة إلا لإحياء الدين ولا الإمارة إلا لصالح المسلمين. وكانوا أهل رأفة بالمومنين. سيرتُهم العدلُ، وقولهم الفصل. وقضاؤهم الحق. وكلامهم الصدقُ. وقد لبسوا المُسوح والصوف. وجردوا السيوف، يضربون بها وجوه الكفار. وأخذوا السياط، يقمعون بها رؤوس الفُجّار. حتى فتحوا الفتوح، وهزموا الجيوش، وقهروا الجبابرة، وقتلوا الفراعنة. وأظهروا نور الحق في الغرب والشرق. ظاهرهم الخشوع، وباطنهم الخضوع لله. وبغيتهم الآخرة، والاستخفاف بالدنيا. جعلوها تحت أقدامهم، إذ عرفوها حق معرفتها. ووضعوها في منـزلتها".[1]
[1] كتاب "نصيحة الملوك" نقلا عن فصول نشرها سعيد بنسعيد في هامش كتابه "دولة الخلافة" ص174.